طارق محمود نواب
28-05-2023
أحيانًا ما يتعرض الإنسان لموجات من الصمت، وحين سؤاله عن سر هذا الصمت قد لا تجد إجابة مقنعة، وهذا الأمر الذي نعايشه ونتشارك فيه بصور عديدة، فالصمت لا يعني أَنَّ تكون خجُولاً أو وحِيدًا لكنه له معاني كثيرة، ففي الفترة الأخيرة أصبح يراودني كثِيرًا من التساؤلات حول حالة الصمت هذه، هل الصمت عن الكلام لأن الصمت يكون أحيَانًا أفضل إجابة عن بعض الأسئلة، أم حين التجاهل ممن نتحدث إليه؟ أم عندما يحرجنا أحد أو يتطاول علينا بكلام غير لائق، أم عندما نتعرض لموقف يفقد العقل والتفكير؟ هل الصمت حين الشعور بأن موضوع الحديث المطروح ليس لنا به أي معرفة، أم حين نحاور شخصًا لا يستحق منا الاحترام لأنه لا يفقه الكلام؟ هل نصمت حين نجد أن ما تشعر به أكبر من أن نعبر عنه بالكلام، أم عندما يطرح موضوع ولا نجد ما نقوله؟ هل نضطر للصمت حين نحاور أناسًا نفوقهم بخبرتنا سنين كثيرة، أم حين تعرف أن الصمت يفرح آخرين، أم حتى لا ينظر إلينا على أننا متملقين؟
فكما نعلم أن كثرة الكلام تزيد الزلات وبكثرة الصمت تكون الهيبة، نعم إن كثرة الكلام تزيد من الزلات، وهي دليل أكيد على ضعف العقل وهشاشة الشخصية والفراغ لدى كثيرين الكلام،خُصوصًا أننا أصبحنا نجد كثيرين يتحدثون في كل شؤون الحياة، ويجادلون في كل شيء بهدف الجدال وإثبات الذات فقط، فمن دون إدراك الواحد منهم أن المحيطين به واعون تماما لمثل هذا السلوك واصبحوا يدركون غاياته وأهدافه. وحين الأخذ بمقولة "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، فهذه ليست بدعوة منا إلى الانطوائية وعدم مشاركة الإنسان منا المحيطين به فيما هم فيه، ولا يجاوب على من يسأله، حتى لا يتم النظر إليه على أنه فاشل أو فارغ أو حتى متكبر. باختصار، يحتاج الصمت إلى توازن بين طرفيها يجب أن يتحقق في هذه المعادلة وهو متى نصمت ومتى نتكلم؟ وتطبيق هذه المعادلة على أرض الواقع يتطلب تدريب العقل والنفس على تنفيذها.
وتبقى لنا الكلمة إذا كان كلامك لا يفيد، فسكوتك أفضل لأن الصمت أبلغ لغات الكلام، لأن التفاعل المستمر مع الناس والتحدث يؤثر عليك عقلِيًّا وجسدِيًّا وعليهم أيضا.
وفي الصمت مزايا عديدة قادرة على تغيير حياتك بشكل إيجابي، فالصمت يجعلك تبدو أكثر قوة ويجعلك تصبح أقوى فحينما تكون صامِتًا قد يشعر الآخرون بعدم الارتياح، وغالِبًا ما يشعرون بانهم مضطرون لملء هذا الصمت، بذلك يكشفون المزيد عن انفسهم، ثانياً سوف تتعلم قراءة الناس، فالصمت طريقه أخرى لمراقبه الاخرين وتصرفاتهم، وهذا قد يسمح لك بمعرفة ما اذا كان هذا الشخص يقول الحقيقة ام لا من خلال لغة جسده وأيضًا طريقته التي يتحدث بها، وثالِثًا لمجرد خروج الكلمات فأنت غير قادر على استعادتها، فاختر الصمت بدلاً من التعبير عن مشاعر الغضب والاستياء اللحظية والتي قد تكون مؤذيه، وحين تشعر بالحاجة إلى قول شيء غير لطيف خُذ نفسًا عمِيقًاوفكر في العواقب المحتملة لكلماتك وتذكر إن الكلمة مثل الرصاصة إذا انطلقت لا يمكنك إِعادتُها، رابعاً ستكون مُستمِعًا رائِعًا وسيفضل الناس التحدث إِلَيْكَ، فهناك وقت آخَرُ يكون من الأفضل فيه التزامك للصمت،خُصُوصًاعندما يشاركك شخص ما قصه ذات مغزى، حينها دع الصديق او الشخص يشعر بِأَنَّهُ مسموع من خلال إِيماءاتُك الصامتة والتواصل البصري الصادق. ومن الفوائد العديدة للصمت إنه اداه تفاوض رائعة، حيثُ يُمكِنُ أَنْ يكُونَ الصمت أَفضلُ صديق لك أَثناءٌ المفاوضات، فمثلاً قل شيئًا ثم اغلق فمك ودع الشخص الآخر يتوصل إلى استنتاجاته الخاصة، فإن صمتك يظهر أنَّك واثق مما قلته للتو وأنَّك تحترم الشخص الآخَرُ ربما يكفي لسماع ما يقوله.
إن الصمت يُعزِّزُ الإِبداعُ وعلى الرغم من أَنَّ الإِبداعُ يمكن أَنَّ ينبع من مصادر خارجيه فان العملية الإبداعية ستتبلور دائِمًا داخل عقلك، وعلى هذا النحو فإن كونك وحِيدًا وفي صمت سيساعدك على الانخراط اكثر في عمق عقلك بالإضافة إلى إزاله عوامل التشتيت المحتملة التي قد تعيق عمليتك الإبداعية وسيسمح لك ذلك تركيز كل انتباهك لما تعمل عليه وسوف يكون لديك افكار ومشاعر اعمق اذا وجدت نفسك تبتعد كثِيرًا عن عملك أَو تشعُرُ بِأنَّ أفكارُك قد نفدت فقد يكون الانتقال إلى بيئة هادئة وصامته هو الحل.
و في الختام فإن الصمت والفوائد التي يمكن إِنَّ تجذِبُها لحياتك يتم التقليل من شأنها إلى حد ما، بصفتنا كائنات اجتماعيه فإننا نميل إلى المبالغة في تقدير مزايا المشاركة المستمرة في المجتمع مما يجعل من الطبيعي بالنسبة لنا أن ننسى منح أنفُسُنا الوقت بمفردها، لكن ممارسه الصمت ستمنح جسدك وعقلك استراحة تشتد الحاجه إِليها بعِيدًا عن كل ضجيج ومعلومات العالم الخارجي ويسمح لك بالتركيز فقط على نفسك.
الكاتب / طارق محمود نواب
إعلامي بشبكة نادي الصحافة
كاتب بجريدة غرب الالكترونية
عضو جمعية إعلاميون
عضو هيئة الصحفيين السعوديين