عنيزة
    

مكتبة الصور

عبدالمقصود خوجه: سيد مجالس الأدب

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
29-09-2022
عبدالمقصود خوجه: سيد مجالس الأدب
صفة الشيخ الوجيه عبدالمقصود بن محمد سعيد خوجه (1356-1444) جليّة بهية؛ فهو رجل ينتمي إلى مكة التي انبثق منها الإسلام ونزل فيها القرآن قبل أربعة عشر قرنًا، وكلنا نعلم أن القرآن الكريم نزل ليُتلى بالقراءة، وأن أول كلمة منه كانت فعل أمر بالقراءة! ثم إنه ممن عمل في قطاع الإعلام والثقافة والدبلوماسية، وفي الديوان الملكي بحكومة بلاده التي استضافت ولا زالت عددًا ضخمًا من الأعمال الثقافية واللغوية والتاريخية والإسلامية المرتبطة بثقافة الأمة وسر وجودها، وهي تولي هذا الأفق الباسق ما يستأهله من مكانة وجهد عبر إنشاء وزارة نشطة خاصة للثقافة تتعاون مع بقية أجهزة الحكومة في هذا الاتجاه.
وفي الجانب الأسري هو حفيد عالم مكي، ونجل لأديب وكاتب تولى رئاسة تحرير صحيفة أم القرى (1350-1355)، واحتضن الناشئة والشداة الذين غدوا رموزًا أدبية وفكرية، وكتب بغرباله الكاشف مقالات جريئة لا تنسى، ومع أنه توفي شابًا إلّا أنه قد ترك أعمالًا وأنجالًا أحيوا سيرته. وعليه فالوجيه المقصود من بيت احتف به الأدب وعالم الكتاب والتأليف ورموزه، وإن الأسر العريقة لذات تأثير كبير متوارث؛ وقلما تنطفئ شمعة طيبة أو تذوي نبتة كريمة، وما أخصب العراقة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها إذا عُني أهلها بمسألة التعاقب، ورعوها حق رعايتها.
ومما يذكر في سيرة الشيخ أنه درس في مدارس الفلاح؛ تلك الفكرة الصالحة من الثري المبارك من أسرة آل زينل الموقرة التي تاجرت في اللؤلؤ بيد أن تجارتها في إصلاح العقول والأرواح عبر التعليم كانت أعظم وأزكى وأبقى، ونجدها ظاهرة في أسماء عدد لا يحصى من الكتّاب والأدباء والشعراء، ومن الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال من أهل المملكة، الذين نهلوا من تلك المدرسة علومًا تضاهي غيرها في كبريات معاهد العلم آنذاك.
ولأن الشيخ تشرب حبّ الثقافة والكتاب منذ صغره، تمنى أن يكون لبلاده حضور ظاهر مشرف هذا المجال المضيء الذي خفتت أنواره في بلاد كثيرة لأسباب عديدة، فحمل على عاتقه وحده عبء ابتداء لقاء ثقافي أسبوعي مساء كل اثنين منذ عام (1403)، مع إدارته بالتنسيق والدعوة إليه، والتقديم للضيف، وحشد الحضور المناسب للمتحدث والموضوع؛ ليصبح صالونه إحدى لبنات الثقافة والعلم والفكر في بلادنا. ولربما أنه عانى في ضمان موافقة بعض الأسماء، وتحمّل ما يكون من نسيان أو إشكال، وما قد يجري فيؤدي إلى غضبة ضيف، أو مدعو، أو مغفول عنه، أو موقف فيه حنق من ضيّق أفق أو نفس، وآمل أنه قد حفظ تجربته الثرية أو قسمًا منها.
ثمّ واصل الشيخ عمله المنطلق من مبدأ تزداد قناعته به مع الأيام، حتى استضاف أزيد من خمسمئة شخصية، مبتدئًا بصديق والده الأديب الكاتب عبدالقدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل ونعم الاختيار والاستهلال، ومن الموافقات أن ينعقد هذا اللقاء في يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر الله المحرم عام (1403). أما آخر من كرم بحضور الشيخ عبدالمقصود فهو الباحث وعالم الآثار أ.د.سليمان الذييب في الخامس والعشرين من شهر جمادى الأولى عام (1436)، وآخر المكرمين قبل توقفها هو د.عبدالله الفيفي في غرة رجب عام (1436) برعاية نجل شيخنا المهندس محمد.
ومن ضمن الشخصيات التي احتفي بها علماء وساسة وكتّاب وأدباء وشعراء ومسؤولون كبار، وفيهم عرب ومسلمون وأجانب، ولقد كانت تلك الديوانية قوة ناعمة ندخل فيها نحن وبلادنا وثقافتنا إلى القلوب والعقول والبلاد بلا مقاومة تذكر عبر ميادين الكلمة والثقافة الرحبة المحببة، ويا له من شأن يجلب ولاء من ولج فيه للبلاد وأهلها، ولذلك فما أجدر الاثنينية بالاستمرار، وأن تُرعى وتحاط، ويشجع غيرها، فالكلمة سبّاقة في إحداث الأثر، لطيفة في المدخل والتغيير، وكما كانت الاثنينية وجهة مقصودة مرغوبة لأي زائر أو ضيف أو باحث؛ فهكذا نتمنى أن تستمر هي في مستقبلها، ويقتفي منهجها غيرها من أخواتها.
ولأن الشيخ صنع ذلك بهمة لا تلين وعزيمة لاتقف، 
البوم الصور
عبدالمقصود خوجه: سيد مجالس الأدب